يوم اللغة العربية العالمي للسنة الحادية عشر
تعدّ اللغة العربية إحدى اللغات الخمس الأكثر انتشاراً في العالم كونها اللغة الرسمية في ٢٥ دولة واللغة الأم لأكثر من ٤٢٠ مليون شخصاً ويهدف اليوم العالمي للغة العربية إلى تكريم هذه اللغة الألفية. وكلما سطع وهج الشرق الأوسط، ازدادت أهميّة اللغة العربية الاستراتيجية على المستوى الدولي.
فدعت هذه الأهمية المتزايدة، مقترنةً بضرورة التواجد المحلي لتأمين الخدمات اللغوية العربية (بما فيها الترجمة العربية الفرنسية بالاتجاهين)، وكالة Atenao إلى إنشاء فرع مخصّص في تونس.
اللغة العربيّة، ركنٌ دوليّ
منذ سنة ٢٠١٢، يحتفل العالم، في الثامن عشر من شهر كانون الأول/ ديسمبر باليوم العالمي للغة العربية بناءً على قرار منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، اليونيسكو لتسليط الضوء على أهمية اللغة العربية. فاقتُرحت إقامة هذه الذكرى خلال جلسة المجلس التنفيذي لليونيسكو ال١٩٠ من قبل ليبيا، والمملكة العربية السعوديّة، والمغرب. ففي ١٨ كانون الأول/ ديسمبر سنة ١٩٧٣ أصبحت اللغة العربية إحدى اللغات السّت الرسمية للمنظمة، وتمّ الإبقاء على هذا التاريخ لحفظ ذكرى هذا اليوم التاريخي. فمنذ عام ٢٠١٠ يكرّس يومٌ لكلٍّ من لغات اليونيسكو الرسميّة للاحتفال بالتنوع اللغوي والثقافي. فيشجّع استخدام تلك اللغات وتصرّح ترجمتها خلال مؤتمرات منظمة الأمم المتحدّة كما في جلسات الجمعية العامة.
إذ أصبح التنوع اللغوي اليوم، ركناً أساسيّاً من نموّنا وتطوّرنا، يهدف إلى تقريب الشعوب والثقافات ويتطلّب إتقان عدّة لغات ولمس قيمها وثقافاتها لفتح أبواب الحوار والتفاهم.
وتفرض اللغة العربيّة الغنيّة نفسها وتعزّز مكانتها بفضل شاعريّتها ومختلف أشكالها في التعبير الشفوي وفن الخط، وبفضل إسهامها بإغناء المجالات الفنّية كالسينما والموسيقى والشّعر وحتّى الفلسفة والهندسة المعماريّة. فاللغة العربية في مطلع فجر المعرفة وساهمت بنشر العلوم والفلسفات الإغريقية – اليونانية في أوروبا خلال عصر النهضة. ولم تتوانَ المديرة العامة لليونيسكو، أودري أزولي (Audrey Azouley) في التشديد على أهميّة دور اللغة العربيّة، منذ مطلع الألفية، في تسليط الضوء على الفكر الفلسفي ونشر علم الرياضيات. حتّى أنّ اللغة العربيّة شقّت طريقها في الثقافة الفرنسيّة، لتستخدم فرنسا اليوم، كلماتٍ وعباراتٍ عربيّة في الحياة اليوميّة كالليلك (lilas)، والياسمين (jasmin)، أو حتّى الكيمياء (la chimie ou alchimie).
فوفق رئيس المجلس الشعبي الوطني الجزائري، إبراهيم بوغالي، إنّ اللغة العربية هي إحدى أركان الهوية الوطنية في “تعزيز الهوية الوطنية” وترسيخ التماسك الاجتماعي والوطني. فاللغة بحدّ ذاتها، أداة تواصلٍ ووسيلة نشر المعرفة توضع بخدمة سلام وتطوّر الأمّة، وهي رمز التنوّع والإشعاع الثقافي. فلا ننسى أنّ مليار شخصٍ تقريباً يتكلّمون اللغة العربية بصفتها لغتهم الأم أو لغةً ثانويّةً، وذلك يكفي للاعتراف بالوقع الثقافي الّتي تحمله. فمن المتوقّع أن تتغلّب اللغة العربية، على اللغات الإسبانية والبرتغاليّة بما أنّه من المتوقّع أن تطال أكثر من ٧٠٠ مليون نسمة مع حلول عام ٢٠٥٠.
وتسعى اللغة العربيّة إلى التطور في مختلف البلدان، والدليل في عدد الطلاب الّذين يتعلمونها في المدارس الفرنسيّة الّذين كان عددهم بالكاد ٦٥٠٠ طالب في عام ٢٠٠٧ ليتضاعف ويصل إلى ١٥٠٠٠ سنة ٢٠١٩. وصحيحٌ أنّ النسبة منخفضةٌ جدّاً مقابل اللغات اللاتينية كالإسبانية والألمانية والإيطالية، لكن الأرقام تدلّ على أنّ اللغة العربية تسعى لتثبيت مكانتها في الغرب.
الاحتفال باللغة العربيّة
ويعني ذلك تسليط الضوء على ما قدّمته اللغة العربيّة للعلم والأدب وعلى فكر ويقين الشعوب العربيّة منذ آلاف السنين، ناهيكم عن الكتّاب والعلماء والفنانين العرب الّذين أحدثوا ثورةً في العالم وتركوا بصماتهم على مسارح الثقافة العالميّة. فاليوم العالمي للغة العربية ليس فقط للاحتفال باللغة نفسها بل هو أيضاً لتكريمهم. إذ أنّ اليونيسكو تحتفل بالثقافة العربيّة وتكرّم إسهامها الواسع والعريق في التنمية الدولية، عبر تكريس تاريخٍ لليوم العالمي للغة العربيّة.
إذ توضّح وزيرة الثقافة والفنون في الجزائر أهميّة الاحتفال باللغة العربيّة: “إنّ الإسهام اللغوي الذي قدّمته اللغة العربيّة للعلوم الإنسانيّة والترجمة، بجميع أشكال وأساليب الفنون الأدبيّة، سمح لها أن تغني الثقافة الإنسانيّة وأن تترك أثراً كبيراً على مختلف ثقافات العالم.
اكتشاف اللغة العربية بالاحتفال بها
فتمّ التّوقّف على موضوع “جسور التّرجمة” خلال احتفال هذا العام الّذي دام ٤ أيامٍ من ١٤ حتّى ١٨ كانون الأول/ ديسمبر ٢٠٢٢ في معهد العالم العربي (IMA) في باريس الّذي يستضيف الحدث منذ عام ٢٠١٥.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الحدث لم يعد مسمّى “اليوم العالمي للغة العربية” بل يطلق عليه اسم “حفلة اللغة العربيّة”؛ اسمٌ يثني حقّاً اللغة العربية ويبرز الهدف الحقيقي وراء هذا التكريم. ويتألّف برنامج الحدث من اجتماعاتٍ لمختلف الخبراء والباحثين والأكاديميين، ومن نقاشاتٍ وقراءات شعريّة وموسيقيّة. بالإضافة إلى تنظيم رسمةٍ جداريّةٍ بفنّ الخطّ العربي أذهلت جميع الزوار. فقد سجّلت اللجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي فنّ الخط العربي كمهارةٍ، ومعرفةٍ، ومهنةٍ على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية.
إذ أنّه، في اليوم الثاني من الحدث، تمّ تنظيم طاولتين مستديرتين لمناقشة موضوع السنة. وفي الاجتماع الأول، بربرا كاسين وبيوت الحكمة الّذين تناولوا موضوع “الديانات التوحيديّة واستحالة الترجمة” يتبعه عرض “مسرد الإدارة الفرنسيّة الثنائي اللغة”. ولمحبّي القراءة، تمّ إنشاء مكتبة تحتوي على كتبٍ باللغة الفرنسيّة والعربيّة تناسب جميع الفئات العمريّة. بالإضافة إلى نشاطات ال “speak-dating” حيث يتعارف ناطقو اللغة العربيّة واللغة الفرنسيّة للنقاش والتبادل الثقافي كما نظّم طلّاب اللّغة العربية استعراضاً غنائيّاً. وتمّ إقامة دورة تمهيديّة لمبتدئي اللغة العربيّة لاكتشاف “لغة الانترنت العربية”. فاستمتع الزوار، طوال فترة الحدث بمختلف الاستعراضات الموسيقيّة والفنيّة والأدبيّة.
فدعونا نكرّم اللغة العربيّة، لغةٌ غنيّةٌ لمست وطوّرت الإنسانيّة ووحّدت شعوب العالم أجمع قرناً بعد قرنٍ، ولنحتفل بها وبتراثها، يداً بيدٍ في السنوات والعقود المقبلة.